أسباب العطس: دراسة شاملة للظاهرة وآلياتها البيولوجية

العطس هو رد فعل طبيعي للجسم يتمثل في خروج مفاجئ وقوي للهواء من الرئتين عبر الأنف والفم. يُعتبر العطس آلية وقائية تلعب دورًا مهمًا في تنظيف الممرات الهوائية العلوية من المواد المهيجة والضارة. رغم بساطته الظاهرة، فإن العطس يرتبط بمجموعة معقدة من الأسباب الفيزيولوجية والكيميائية والعصبية، ويعكس حالة تفاعلية دقيقة لجهاز المناعة والحساسية في الجسم.

1. التعريف الطبي للعطس وآلية حدوثه

العطس هو ظاهرة فيزيولوجية تتميز بانقباض عضلات الصدر والحجاب الحاجز والعضلات الوجهية مع خروج هواء بسرعة عالية من الأنف والفم. ينشأ هذا الانقباض كرد فعل على تحفيز الأعصاب الحسية في بطانة الأنف، حيث تقوم هذه الأعصاب بإرسال إشارات عصبية إلى مركز العطس في الدماغ، وهو منطقة في جذع الدماغ تُعرف بـ “المركز العطسي” أو “المركز الوعائي التنفسي”. عند تلقي الإشارات، يقوم الدماغ بإرسال أوامر لتنشيط العضلات المعنية بالعطس، مما يؤدي إلى هذه الاستجابة الانعكاسية.

2. الأسباب الفيزيائية المباشرة للعطس

2.1 تهيج الغشاء المخاطي للأنف

السبب الأكثر شيوعًا للعطس هو تعرض الغشاء المخاطي المبطن للأنف لمهيجات خارجية أو داخلية، مثل الغبار، والأتربة، وحبوب اللقاح، والدخان، والروائح النفاذة. تؤدي هذه المهيجات إلى تفعيل مستقبلات الأعصاب الحسية في الأنف، فتنتقل الإشارات إلى مركز العطس لتحفيز رد الفعل التنفسي.

2.2 التغيرات الحرارية

التغير المفاجئ في درجة حرارة الهواء، مثل التعرض لهواء بارد بعد دخول مكان دافئ، قد يؤدي إلى تحفيز مستقبلات الحرارة في بطانة الأنف، مما يسبب العطس كآلية لتقليل التهيج.

2.3 التعرض للضوء الساطع (العطس الضوئي)

يشير هذا النوع من العطس إلى ظاهرة وراثية تحدث لدى حوالي 18-35% من الناس، حيث يُحفز التعرض المفاجئ للضوء الساطع، خاصة ضوء الشمس، رد فعل العطس. يُعتقد أن سبب ذلك يعود إلى تشابك في الأعصاب بين الجهاز البصري ومركز العطس في الدماغ، مما يؤدي إلى استجابة عكسية.

3. الأسباب المرضية للعطس

3.1 الالتهابات التنفسية العلوية

تُعتبر نزلات البرد والتهابات الأنف والجيوب الأنفية من أبرز الأسباب المرضية للعطس المتكرر. يؤدي التهاب الأغشية المخاطية إلى زيادة إفراز المخاط وتهيج الأعصاب الحسية، مما يعزز رد الفعل العطسي.

3.2 الحساسية (الرمد التحسسي أو التهاب الأنف التحسسي)

تحدث الحساسية نتيجة تفاعل مفرط لجهاز المناعة مع مواد غير ضارة مثل غبار الطلع، وبر الحيوانات، والغبار المنزلي. يفرز الجسم مواد كيميائية مثل الهيستامين التي تسبب التهاب وتورم في الأغشية المخاطية، مما يؤدي إلى الحكة والعطس المستمر.

3.3 تهيج الأنف بالمواد الكيميائية

التعرض للمواد الكيميائية القوية مثل العطور المركزة، والمنظفات، وبعض أبخرة المركبات الصناعية يؤدي إلى تحفيز الأعصاب في الأنف، مما يسبب العطس كآلية دفاعية لإزالة المادة المهيجة.

4. الأسباب العصبية والنفسية

4.1 العطس الانعكاسي

يحدث هذا النوع نتيجة تحفيز الأعصاب التي تعبر عبر الحبل الشوكي أو الدماغ، وقد يظهر عند تناول بعض الأدوية أو نتيجة بعض الحالات العصبية. كما يمكن أن يكون العطس مرتبطًا بحالات القلق أو التوتر النفسي، حيث يظهر كرد فعل عصبي غير مباشر.

4.2 العطس الميراثي

هناك بعض الدراسات التي تشير إلى وجود عوامل وراثية تتحكم في حساسية الجهاز العصبي للعطس، خصوصًا فيما يتعلق بالعطس الضوئي أو العطس المتكرر، مما يشير إلى أن هناك تأثيرًا جينيًا يحدد مدى استجابة الجسم لمختلف المحفزات.

5. العطس كوظيفة وقائية في الجسم

يعد العطس أحد أهم آليات الدفاع التي يستخدمها الجسم للتخلص من المهيجات والجراثيم العالقة في الممرات الأنفية. حيث يقوم العطس بطرد الجزيئات الغريبة، والخلايا الميتة، والفيروسات، والبكتيريا، مما يساهم في حماية الجهاز التنفسي العلوي ويقلل من خطر الالتهابات.

6. العوامل المؤثرة في شدة وتكرار العطس

6.1 العمر

الأطفال وكبار السن أكثر عرضة للعطس المتكرر بسبب ضعف جهاز المناعة أو فرط نشاطه.

6.2 المناخ

تزداد حالات العطس في فصول الربيع والخريف بسبب انتشار حبوب اللقاح والمواد المثيرة للحساسية.

6.3 العوامل البيئية

التعرض المستمر للتلوث، والدخان، والمواد الكيميائية يزيد من فرص تهيج الأغشية المخاطية وبالتالي تكرار العطس.

6.4 الحالة الصحية العامة

الأشخاص الذين يعانون من أمراض الجهاز التنفسي المزمنة، مثل الربو أو التهاب الجيوب الأنفية، قد يعانون من عطس متكرر.

7. الفرق بين العطس العادي والعطس المرضي

في العطس العادي، يكون السبب هو التعرض المؤقت لمهيجات خارجية، ويكون العطس عرضًا عابرًا لا يدعو للقلق. أما العطس المرضي، فهو تكرار للعطس بدون سبب واضح أو مستمر لفترة طويلة، غالبًا ما يكون مصحوبًا بأعراض أخرى مثل الحكة، وسيلان الأنف، والاحتقان، مما يستدعي مراجعة الطبيب لتشخيص الحالة بشكل دقيق.

8. جدول يوضح الأسباب المختلفة للعطس وتصنيفاتها

9. التعامل الطبي مع العطس المفرط

تختلف طرق علاج العطس حسب السبب الأساسي. في حالات الحساسية، يتم استخدام مضادات الهيستامين والكورتيكوستيرويدات لتقليل الالتهاب. أما في حالات العدوى، فتتطلب مضادات الفيروسات أو المضادات الحيوية حسب نوع العدوى. بالإضافة إلى ذلك، قد ينصح بتجنب المهيجات البيئية مثل الدخان والغبار.

10. العطس وتأثيره على جودة الحياة

العطس المتكرر والمزمن يمكن أن يؤثر سلبًا على جودة حياة الفرد، إذ يسبب انزعاجًا مستمرًا، وقد يؤثر على التركيز والنوم، كما يمكن أن يكون مصدر إحراج اجتماعي. لذلك، فإن فهم الأسباب الدقيقة للعطس هو أمر مهم لإدارة الحالة بشكل فعال وتحسين حياة المصابين.

المراجع:

1. Eccles, R. (2005). Mechanisms of the nasal cycle and sneezing reflex. The Journal of Physiology, 568(3), 949-955.

2. Borish, L. (1998). Clinical Asthma. Lippincott-Raven Publishers.

هذا المقال يعرض نظرة شاملة ومفصلة عن أسباب العطس، وآليات حدوثه، وتأثيره على الجسم، مما يساعد في فهم هذه الظاهرة اليومية بأبعاد علمية دقيقة، مع التركيز على الجوانب البيولوجية والعصبية والمرضية المرتبطة بها.